يتحول قادة تنظيم الاخوان المسلمين في سورية لأول مرة من العقائدية الى مايعتقدون أنه براغماتية بغية الوصول الى هدفهم وحلمهم بقيادة المجتمع السوري لأسلمته بدل بعثنته.. التنظيم الذي اعتمد تكتيك العنف في السابق دون أن يتنازل عن العقائدية المثالية الطوباوية طرأ عليه تغيير مريب لكنه خطير الى حد قد يدفع به الى الانشطار والفصام..
فرغم هزيمة الثمانينات القاسية - ورغم تحمله لمسؤوليتها في التنطح للمواجهة مع السلطة - والتي تركته عاجزا يلعق جراحه فانها أبقته في عيون مريديه وأنصاره التنظيم الذي لايتخلى عن مبادئه حتى لو تعرض لأقسى أنواع الهزائم لانه تنظيم عقائدي جدا..وظل في عيون الكثيرين تنظيما يموت ولايساوم، مما أبعده عن شكوك مؤيديه بطهارته العقائدية..الى أن بدأت بعض ملامح التجرثم والتخمر تصدر عنه اثر خطأ استراتيجي قاتل بالتحالف مع عبد الحليم خدام...كان لتحالف الاخوان المسلمين مع عبد الحليم خدام تأثير سيء جدا على تماسك جماعتهم وثقة جمهورهم بعقائديتهم التي تعرضت للتشقق من هذا التحالف الذي صدم جمهورهم وهز معسكرهم وطهارة التنظيم فتراجعت القيادة بسرعة محاولة استدراك الحمى والوهن والضرر المعنوي الذي أصاب هذا التنظيم ، ومع هذا فان الضرر كان قد حصل وانتهى
لكن التحولات التي تظهر حاليا على سطح التنظيم تشير الى أن جيل القياديين الجدد (الاخوان الجدد) قرروا التعامل بمنطق السياسة مع السياسة وتعريض الايديولوجيا الصارمة لمرض الزهايمر الذي يصيب التنظيمات السياسية في شيخوختها بكل مافيها من خرف وعتاهة ..والتي تقتربها من موتها بسرعة..كما لو كانت انتحارا !!
يحاول تنظيم الاخوان المسلمين التأقلم مع ايديولوجية جديدة في مقاربة تشبه مقاربة حزب العدالة التركي من أوروبا والعالم الغربي وهي التودد والتنازلات حتى لو اقتضى الأمر رفع العقوبة (الاسلامية) مثلا عن الزاني والزانية..!! رغم مخالفتها الصريحة للقرآن نفسه كتاب المسلمين والكتاب المقدس لحزب العدالة التركي، وهو مافعلته تركيا الاسلامية تذللا لأوروبا مؤخرا ولم تجرؤ عليه جمهورية اتاتورك العلمانية نفسها طيلة 70 سنة..
تصريحات الشقفة الاخيرة لوكالة الأنباء الألمانية في القاهرة تثير التساؤلات العميقة عن الانعطاف الذي فرضه الاخوان الجدد على التنظيم والذي حوله بسرعة غريبة من حزب زاهد بالدنيا وراغب بثواب الآخرة عبر اقامة المجتمع الاسلامي الصارم العادل على أسس مرجعية ثابتة لاتهادن ولاتساوم حتى لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في يساره، الى حزب دنيوي صار أقصى مايتمناه الوصول للسلطة بأي ثمن ..بأي ثمن..
خطاب الجماعة اليوم يطعن في ظهر الآباء المؤسسين.. فالجماعة السورية لاتمانع في الالتقاء مع اسرائيليين وشخصيات صهيونية في مؤتمر باريس ويبرر مرشدها الشقفة ذلك بأنه أتى (!!).. أي أن هذه الأكثرية - التي تنازلت عن الأقصى (المقدس) عمليا للاسرائيليين عبر هذا اللقاء التحالفي - اذا ماقررت قبول اهانة الرسول الكريم لضرورات تكتيكية مماثلة فستلتزم الجماعة بالتغاضي عن الاساءة للرسول في المؤسسات الغربية الثقافية وقد تبرر ذلك بأكثرية أخرى ترى أن ذلك من ضرورات حرية التعبير والرأي الآخر ...
والتنظيم الذي يحرك الاحتجاجات السورية لم يتورع عن طلب العون من السفير الأمريكي أمس واستحضاره الى حماة المعقل الرئيسي للاخوان ..وهنا يقدم الاخوان المسلمون السفير الامريكي حاميا للاحتجاج السوري وداعما "للشعب السوري المظلوم المضطهد" ضد الديكتاتورية..هذا الدعم المعنوي تم برضى كامل من الاخوان المسلمين على مايبدو ليحوله من تنظيم الاخوان الذي لم يساوم على مبادئه في السابق الى تنظيم يسلم عنقه وعنق مسلميه للأمريكيين الذين لايقدمون خدمات مجانية وسيطلبون المقابل ان عاجلا أو آجلا ...والأمريكيون قوم لا(يؤكل بعقلهم حلاوة)..وعلى تنظيم الاخوان أن يقدم الفاتورة...الآن.
ولذلك فان الجماعة بادرت الى خطب ود الاسرائيليين والأمريكيين في تنسيق واضح وتوقيت متفق عليه عبر التنويه الى قبول فكرة السلام مع اسرائيل وذهبت أبعد عند تلميح الشقفة قبل 24 ساعة من وصول السفير الامريكي الى حماة الى اصطفاف جديد يقترب من الجانب الاسرائيلي ضد حزب الله بحجة أن الحزب وقف الى جانب النظام السوري ويساعده في ماسماه الشقفة "قتل السوريين" ... واستعمل الشقفة مصطلحا لايمكن وصفه الا بالكذب الصريح والمفاجئ عندما سمى مقاومة حزب الله بالمقاومة الاعلامية فقط دون فعل..وكأن مقاتلي الشقفة هم من قاتل اسرائيل عام 2006 ..وكأن الخلاف مع الرئيس الأسد هو أنه يمنع الاخوان المسلمين من مقاتلة اسرائيل..
الجماعة فاجأت جمهورها (والجمهور الذي كان من الممكن أن يتعاطف معها) بالاقتراب من اسرائيل بانتهازية اقتضت حتى التضحية باسم المقاومة وبعلاقة الاحترام مع حزب الله من أجل الحصول على الدعم في النزاع مع الأسد
الشقفة مارس المراوغة عندما تحدث عن ولاء الجماعة للوطن وحاول التستر على رأي الجماعة في جزء من النسيج الاجتماعي السوري بقوله:إذا أعطانا الشعب الأغلبية لن نحكم لوحدنا وسنتشارك مع كل طوائف وفئات المجتمع السوري لأننا ضد سياسة الإقصاء.. نص واضح لالبس فيه للأخوان المسلمين حول العلويين مثلا وفي هذا تناقض صارخ مع أدبيات الجماعة التي (في موقعهم الالكتروني بالذات "إخوان أون لاين" - 20/11/2003 ) :
ان النصيرية.. أشد كفرًا من اليهود والنصارى!..
الأخطر من ذلك ماذكره الكاتب والباحث السوري (السني) المعروف بعلمانيته ومنطقيته الدكتور نبيل فياض في موقع الناقد بتاريخ 4-9-2007 في مقالة بعنوان (العلويون ونفاق الاخوان المسلمين بالوثيقة) مايلي:
الخمفاده أن كلّ علوي متهم حتى تثبت براءته ؛ لن نتحدّث عن الألوف المؤلفة الذين قتلهم الأخوان ومن خرج من عباءتهم من مجرمي القاعدةبالدليللن نتحدّث عن المثقفين العلويين الذين قتلهم الأخوان لأنهم علويوّن؛ ولن نتحدّث عن الزبالين العلويين الذين قتلهم الأخوان للسبب ذاته؛ ولن نتحدّث عن قول منسوب للبيانوني
وبالطبع لايمكن تجاهل دعوات العرعور الطائفية وهو ابن حماة وابن التنظيم، وأتباعه لايخرجون الى الطرقات طلبا للحرية بل طلبا لاعلاء كلمة الطائفة السنية على حساب الطوائف الأخرى..ونداءاتهم لاتخفى على أحد..
فكيف سيمكن للاخوانية التعامل مع هذه المعضلة السياسية والايديولوجية الاقصائية والتكفيرية حسب ماقاله الشقفة والبيانوني؟؟!! فهو حزب مسلم له رأي صريح تكفيري بالعلويين مثلا لكنه سيفرض على اتباعه نسيان هذه الفتوى التكفيرية وهذا ماسيضعه في مواجهة مع قواعده التي فيها تيار لايقبل بالتنازل عن حرف واحد من هذه الفتاوى ويعتبر التراجع عنها خيانة...
والأزمة لدى الاخوان عويصة فمن جهة يقدم الشقفة تنظيمه على أنه مسالم ولاعلاقة له بالعنف وحريص على الوحدة الوطنية والديمقراطية لكنه لايصدر بيانا يتنكر فيه لتكفيره أيا من شرائح الوطن لأن ذلك سيهز عقائديته لدى جمهوره الذي يتبعه طائفيا على أساس أنه ممثل السلام السني السوري الرافض للآخر والمصمم على اقصائه تحت عناوين تكفيرية وذمّية... ولم يصدر عنه أي بيان منذ وجد حتى هذه اللحظة يدين العنف الذي وجهه أفراده ضد السوريين دليل موافقته الضمنية على العقلية العنفية التي لايغامر بهزها وزعزعة مكانتها التي تستبطن منطلقاته
مأزق الشقفة الآخر أنه لايزال يصنف شخصيا لدى الشعب السوري على أنه من الجناح العسكري للاخوان الذي ارتكب مجزرة المدفعية في حلب وقتل مئات الطلبة السوريين في ذلك اليوم..وكان الجناح العسكري هو الذي بدأ التحرك العسكري العنيف الشهير في حماة مما استدعى رد الأسد العنيف وهو (أي التنظيم) يتحمل مسؤولية أخلاقية وتاريخية في استدراج مدينة حماه لتلك المحنة القاسية التي يحاول التنظيم تصويرها على أنها مجزرة العلويين ضد السنة متجاهلا كل هذه السنوات الاشارة الى مسؤوليته في اطلاق العنف فيها وتورطه هو أيضا في مجازر ومجازر مضادة.
وبالطبع فان التركيز على العلويين أغفل التركيز على رأي الاخوان المسلمين بالدروز والاسماعيليين والمسيحيين والشيعة وبقية الطوائف التي لايبدو أنها أقل حظا في قسوة الفتاوى التكفيرية والتصنيف الاحتقاري الدوني.
تنظيم االاخوان المسلمين يتعرض لعملية زرع قلب وزرع دماغ وزرع كلية وزرع رئة وزرع كبد وزرع وجه ونقل دم وتجميل ..أي أنه لم يعد الاخوان المسلمين الذي أنشأه الآباء الروحيون ... والقيادة الجديدة تشبه سائق باص يقود المركبة برعونة عبر طريق وعر ملتف في أدغال مجهولة ومنحدرات ومنزلقات خطرة وبسرعة جنونية فيما أعضاء التنظيم جالسون على المقاعد لاحول لهم ولاقوة ولاسلطة لهم على هذا السائق الذي لايعرفون أين يقودهم
بدأ تنظيم الاخوان المسلمين كرجل أعرابي في الصحراء في زمن المؤسسين والرواد الأوائل وانتهى في زمن الشقفة الى رجل مريض مربوط بأدوات الانعاش وأنابيب السوائل ونقل الدم وصار طبيبه المعالج السفير الأمريكي في دمشق وممرضه الرؤوم الحنون الصهيوني هنري ليفي ..وسيكتشف التنظيم أن قيادته قد سلمت هذا الاعرابي البدوي الممشوق بقامته الى طبيب وممرض قاما بعملية تحويل جنس الرجل ليصبح خنثى وليبرمج دماغه على أن يعتقد بالمثلية الجنسية..
انها عملية فتكنة وكثلكة (من فاتيكان ومن كاثوليك) لتنظيم الاخوان المسلمين بدأت سابقا في حزب العدالة التركي لاخضاع الفكر الاسلامي المناهض للسيطرة الغربية للتحول الى فكر كنسي فاتيكاني كاثوليكي عصري (مع فائق احترامي للكاثوليكية التي لاأقصد من مثلي هنا اساءة لها) حيث يكتفي بوجود فاتيكان اسلامي يصدر عظات دينية ودية لاتتناقض مع اسرائيل وامريكا لكنه يفتي بقتال الشيعة والعلويين والفرس والصفويين وكل من حارب المملكة اليهودية ... وهناك فرق بين العظة والفتوى
ان ماأقدمت عليه قيادة الاخوان المسلمين السورية هي بالضبط رمي التنظيم الى النهاية المعنوية والمرحلة الأخيرة للاحتضار السريري.. وتسليم صهوات جيادهم لمروض بارع هو الكابوي الأمريكي..الذي لديه مزرعة كبرى في الشرق الأوسط..وبعض الرعاة من قطر الى السعودية الى لبنان الى الأردن الى الى..الى تركيا..