مقبرة جماعية في درعا؟ مأساة المعارضة السورية

لو أن مسيلمة الكذاب كان حيا لأبدى اعجابه الشديد بالخيال الخصب للمعارضين السوريين ولكان أبدى أسفه الشديد وندمه أنه لم يلجأ لاستشارتهم في قضيته المشهورة بتفكيك الاسلام والمسلمين والارتداد عن دين الله الذي أكمله النبي محمد (ص)..مسيلمة هذا كان لاشك سيدفع بالمعارضين السوريين الى الصفوف الاولى في معسكره وسينال عبد الباري عطوان مكانة مرموقة..عبر جريدة تغتصب اسم القدس العربي وهي في الحقيقة صحيفة "اورشليم" ..

آخرماتفتقت عنه طرق الاحتيال هي اختراع حكاية المقابر الجماعية على الطريقة البكائية العراقية ولاندري ان كانت الصور ستتوارد حالا عن رؤوس وجثث اطفال واسلحة كيماوية وحلبجات درعاوية..والطبع ستكتشف المعارضة السورية مقبرة جماعية في بانياس وأخرى في حمص لتجعل من كل سوريا مقابر جماعية تذكرنا بدموع التماسيح للمعارضة العراقية التي جعلت من صار تحت تراب العراق أكثر بكثير ممن بقي على تراب العراق ..
مأساة المعارضة السورية أنها لم تستوعب الدرس التاريخي للشعوب وهو أن كذبة واحدة تنفر قلوب الناس من أية قضية وأن الثقة شيء لاثمن له ولايضاهى ..فان كانت المعارضة تدعي أن النظام يكذب فأمامها فرصة تاريخية لنيل ثقة الناس والمشككين بأن تظهر أنها لاتنطق عن الهوى وأنها لاتتبنى الأكاذيب..وانكشاف عملية التلفيق والفبركة هي التي قصمت ظهر الاحتجاجات السورية ...وكان أن مايسمى بالثورة السورية قد دفعت ثمن هذه السياسة الغبية من فريق ادارة الأزمة من المعارضين، واستغلت الحكومة السورية (على ضعف اعلامها) أمام هذا الهجوم الاعلامي المجوقل والمنسق هذه الفرصة الذهبية وأصابت المعارضة اعلاميا في مقتلها عندما كشفت للناس كيف تفبرك الصور على عجلة وكيف يقوم ممثلون فاشلون في تمثيل دور شهود العيان والضحايا الملطخين بالأصباغ الحمراء على انها دماء .. فالسهم السوري استقر في قلب الثقة بالمعارضة التي تعاني من نزف خطرفي ثقة الناس بما تقول..
القائمون على المعارضة أثبتوا أنهم ليسوا أهلا للنهوض بمشروع التغيير بسبب فشلهم في تثبيت صدقيتهم عن طريق التهويل بدل الالتزام بدقة الخبر ومهنيته ..وكان أجدى الف مرة أن تكتفي المعارضة بالخبر دون بث صورة كاذبة واحدة أو تبني خبر دون وثيقة دامغة لأن خطر كشف التزوير يعد بمثابة السير في حقل ألغام ...والدليل أن كل ماذكر في الماضي عن عملية سجن تدمر أو أحداث حماة لايزال الناس يأخذون برواية المعارضة التي لم تنشر صورة واحدة لأنها لاتملكها وبالتالي لاتفبركها..وتحول الحدثان (تدمر وحماة) الى نقطتي ذاكرة متقدتين محاطتين بهالة من الحزن في الذاكرة السورية رغم أن رواية الحكومة عن تلك الأحداث تلوم وتخطّئ الاخوان المسلمين على اعتمادهم العنف الذي استدعى عنف الدولة..وهذا فيه الكثير من الحقيقة..
لكن قيادة الاخوان آنذاك في الثمانينات كانت أكثر مصداقية وأكثر دراية بالعقل السوري والضمير السوري من قيادة هذه المرحلة التي تشتتت بين نصائح خدام ونصائح المعارضين المرفهين في الغرب..
القيادات المعارضة الجديدة تبدي قلة خبرة ويبدو أنها قيادات غير متمرسة وتلجأ الى الارتجال والانفعال والمقامرة والمغامرات غير المحسوبة مما أدى الى اسقاط مشروعها الضخم المدجج بكل الدعم الاقليمي من تركيا والأردن واسرائيل ولبنان والخليج والسعودية وكل المساندة الغربية والامريكية والذي جندت له وسائل اعلامية متمرسة بشكل خطر في التحريض من جزيرة حمد في قطر الى بي بي سي الى فرانس 24 الى اورشليم ابو عطوان..وهو دعم وتخطيط محكم لم يحظ به الا الاتحاد السوفيتي الراحل الذي حطمته تحالفات شبيهة جدا بتحالفات الزمن الحالي ضد سوريا..
تطوي المعارضة السورية صفحة مؤلمة أخرى بهزيمة أخلاقية مجلجلة عبر اعتمادها تكتيك الانظمة الديكتاتورية وهو الكذب على الناس لاستعطافها واثارتها وهذا ما دفع الناس اما للجنون والتطرف واما لاكتشاف الكذب.. خيبة الامل في المعارضة كانت أنها لم تتميز عن أي نظام أو طالب سلطة الا بانها تفوقت عليه بحجم الكذب والغش وخداع الناس..
كنت أستمع لبعض هؤلاء المعارضين وأبتسم وأحس بالاطمئنان على النظام وعلى سوريا لأن شخصيات المعارضة لم تكن مقنعة وبدت كاريكاتيرية غالبا فهناك مثلا من حاول تهديم صورة بشار الاسد فاقترح محاولا بسذاجة وغباء أن يسخر منه بأن يجد له عملا كمتمرن على طب العيون لدى "زملاء المعارض" في لندن..وهذا الطرح الساخر آذى صاحبه كثيرا وأعطاه صفة اللاجدية والخفة لأن السخرية لاتكون بالاستخفاف بعقول الناس ...وظهر أيمن عبد النور مهزوزا كالعادة وهو يحاول أن تكون علاقته بالكاميرا عادية ..لكن لو لم يظهر واكتفى بالكتابة في موقع كلنا شركاء (وأحسبه يعني كلنا شركاء في طعن الوطن) لكان أفضل فصورته قالت عنه أنه مجرد كومبارس صغير يبحث عن دور السيد وأنه يعاني من تورم في الشعور بالأنا كردّ فعل على شعور غامض عميق بالنقص... وهذا لايمكن أن يكون قائدا ..الا على أولاد حارتنا!!
فيما ظهر مصارع أقرع يتحدث كمعلقي كرة القدم عندما يسجل هدف وسمى نفسه مسؤول المعارضة في نيوزيلندا...وكان من الممكن لو قدم نفسه مصارع ثيران في اسبانيا ليقدم لنا كوريدا اسبانية بانفعاله وهجومه ..أما برهان غليون وهو يقدم نفسه على أنه درة المعارضة على أساس أنه أكثرهم ثقافة ويستعمل اسم السوربون كمظلة فقد بدا متطاير الافكار ولم استطع ان أفهم عليه وهو يتحدث عما يريد قوله فهو غير قادر على ترتيب معادلات الخطاب للجمهور لجعله أقل من معادلة سوسيولوجية ..وهذه معضلة فالاكاديمي قد ينجح في عمله في الجامعة لكنه ليس بالضرورة متحدث مفوه لثورة وتغيير .. ولو ترك المجال لمناظرته لسقط بالضربة القاضية من بعض الحقوقيين ولمسحوا به شاشة الجزيرة..ومعظم من خرج علينا من جحور المنافي كان يعاني من مشكلة مع الثقة بالنفس واكتساب ثقة واحترام الناس ..فيما كانت كاريزما الرئيس الأسد وترفعه عن مهاترات المعارضة سببا في نيل الاحترام..
وكان من أهم أزمات المعارضة أنها أعادت انتاج عبد الحليم خدام بعد فشل تقديمه السابق وهذا الخيار يدل على حماقة سياسية لانظير لها...ورقة محترقة سياسيا وقواعديا ..ماذا تفيد الا في تلطيخ سمعة الثورة...ومن الشخصيات التي لوثت اسم الثورة كان عبد الباري عطوان الذي لم تكتشف عيناه الجاحظتان ضحايا الجيش والمدنيين على يد بلطجية الثورة ومع هذا استمر في اتخاذ موقف متطرف أعمى فى مساندة التمرد والتعامي عن كل دموية المعارضين مما كان له دور سلبي فالجريدة التي عرفت بمغازلة النظام المقاوم عجزت عن قول كلمة واحدة متوازنة مما عززالشعور أن هذا التحامل على النظام ليس بريئا..وهنا غلطة الشاطر بالقاء الشك على اتجاه ودوافع الثورة خاصة أن الشبهات تحوم حول عطوان
اليوم تضيف المعارضة السورية ألما آخر للسوريين من أن معارضتهم لاتزال تعتمد اللاأخلاق في حربها مع النظام الذي لاتمل هذه المعارضة من التنويه الى لاأخلاقيته ..كيف تحارب نظاما بلا أخلاق الا بالأخلاق؟؟؟
النظام كسب جولة لم تكن في الحسبان.. ومن أين؟؟ من باب اكتساب ثقة الناس بأنه لايكذب بل المعارضة ولأول مرة يراها السوريون وهم مصدومون كيف وقعت في شرك الأكاذيب فيما النظام الذي اتهم بالكذب 40 عاما بدا لأول مرة صادقا مع الشعب السوري ومارس مااستطاع من الشفافية..
من جديد السوريون يستحقون أفضل من هذه المعارضة والمعارضة نفسها تحتاج أن تراجع نفسها وأن تقر أنها تستحق افضل من هذه القيادات المراهقة قليلة الخبرة في السياسة الشديدة التعقيد..
وهذه المرحلة التي طويت لصالح السلطة تستدعي محاكمة قيادات المعارضة على تبديدها لمشروع تغيير كان ناجحا..فالاستجابة لطلبات المعارضة من قبل النظام في البداية كان نقطة القوة التي كان على المعارضة ان ترتكز عليها لتثبيت الانجاز ثم التقدم في خطوة لاحقة تدريجيا حتى الوصول الى ذروة الضغط عام 2014 ...لكن الوضع الآن أن السوريين توجسوا خوفا من هذه المعارضة التي تكذب وتلفق وتخرج افلام سينما بخدع بصرية وسمعية وتمثيل مشاهد عنف وتحالف مع حمد سارق أبيه والذي سحل أبناء عمومته وترتكز على فاسد نتن مثل "خدام النووي" (على وزن علي الكيماوي) وتطلب الناتو لدخول سوريا لانقاذ السوريين ..فيما ظهرت السلطة في موقع أبوي يتردد كثيرا قبل استعمال الجيش ويصفح بسرعة عمن مارسوا العنف ثم اعتذروا من "الوطن"، ويقدم التنازلات في القوانين والاصلاحات برحابة صدر..نعم أثبتت السلطة عبقرية في العلاقات العامة افتقرت اليها المعارضة الى حد ظهورالأخيرة ارتجالية وانفعالية بشكل مخجل ومحرج
ويوما كتب المسرحي السوري سعد الله ونوس مسرحية شهيرة هي "مأساة بائع الدبس" وفيها غمز من قناة السلطة التي تقوّل البسطاء مالايقولون ..لكن باعة الدبس السوريين الفقراء البسطاء لهم مأساتهم اليوم مع المعارضة التي تسرق دبسهم وتقول عنهم مالايقولوه..
..صدقوني أن السوريين مصابون بالرعب من احتمال أن يصل اي طرف معارض للسلطة بسبب دمار سمعة المعارضة التي لاتزال تعتقد أنها لاتزال تسمع كما في الايام الاولى فتتحدث عن مقابر جماعية ...يسمع السوريون ذلك ويقطبون حواجبهم ولسان حالهم يقول : لاحول ولاقوة الا بالله..اللهم ثبت علينا العقل والدين ..اللهم لاتؤاخذنا بما فعل سفهاء المعارضة منا
أيها السوريون
..تصبحون على وطن

وتصبحون على معارضة وطنية لاتكذب ستأتي يوما..أنا على ثقة ..انما ستأتي من قلب النقاء والطهارة الثورية