أنا لاأحب العمامات التي تقف على أعتاب الملوك والأمراء والتي تصنعها العلاقات وقرارات الكبار والمراسيم والارادات الملكية، لأن العمامات التي عاشت في كنف "الخلفاء" كانت تسبق السيوف الى الفتن، ولأنني عرفت في التاريخ "وعاظ السلاطين" وأعرف مافعلوه بنا وبعقولنا وأقدارنا كبشر .. وأنا لاأومن برجل دين يتدلى على صدور الملوك والأمراء والرؤساء كما تتدلى الأوسمة والنياشين والزينات.. ولاأومن برجل دين يستظل بظل أمير أو ملك أو رئيس ولا يستظل بظل الله يوم "لاظل الا ظله" ..كما يفعل القرضاوي المستظل بالجزيرة وظليل حمد ..وقاعدة العيديد..
وأنا لاأحب أصحاب العمامات الرسمية لأنهم كانوا دوما نسخا عربية من سايكس-بيكو يمزقنا، فلا فرق بين السير مارك سايكس والمسيو جورج بيكو وبين أي صاحب فتوى لئيمة بالقتل والتكفير بين الناس في وطن واحد.. وكما رسم سايكس وبيكو الحدود على جسد واحد وقطعوه بالانتداب .. فان أصحاب العمامات الرسمية ومن عاش في كنف الخليفة رسموا نفس الخطوط على نفس الجسد الواحد وقطعوه بالفتاوى .. مثلث العمامات التي تلتف حول أعناقنا وحياتنا هذه الأيام والممتد من الدوحة الى الحرم المكي الى الأزهر الشريف هو مثلث العمامات التي تسيّج القصور وتحاصر العقول وتتلون بالدم الأحمر القرمزي .. وهي التي تتعطر بالنفط وتتمطى على وسائد الدولار..
وأنا لاأحب أصحاب العمامات الرسمية لأنهم كانوا دوما نسخا عربية من سايكس-بيكو يمزقنا، فلا فرق بين السير مارك سايكس والمسيو جورج بيكو وبين أي صاحب فتوى لئيمة بالقتل والتكفير بين الناس في وطن واحد.. وكما رسم سايكس وبيكو الحدود على جسد واحد وقطعوه بالانتداب .. فان أصحاب العمامات الرسمية ومن عاش في كنف الخليفة رسموا نفس الخطوط على نفس الجسد الواحد وقطعوه بالفتاوى .. مثلث العمامات التي تلتف حول أعناقنا وحياتنا هذه الأيام والممتد من الدوحة الى الحرم المكي الى الأزهر الشريف هو مثلث العمامات التي تسيّج القصور وتحاصر العقول وتتلون بالدم الأحمر القرمزي .. وهي التي تتعطر بالنفط وتتمطى على وسائد الدولار..
عمامة مفتي الديار المصرية الذي رحل "سيد طنطاوي" مثلا كانت كالعصابة على عينيه وأذنيه فلم يسمع بحصار غزة ولم يسمع قصف "الرصاص المصبوب" على غزة ولم يسمع أنين المحتضرين على عتبة مصر ..بل وصافح شيمون بيريز بيديه الاثنتين ولم يعرفه كما قال ..فيما عمامة خليفته الطيب لاتجتهد الا من أجل دماء السوريين ..بل وتجشمت عمامته وعباءته عناء اصدار بيان من نار ..ضد القمع في سوريا وتعاطفا مع ضحية واحدة .. واعجبي من عمامتك ياسيدي الأزهري!! دماء عشرات آلاف الليبيين والفلسطينيين الساقطين بقذائف الناتو واسرائيل ألا تستدعي منك سوى التثاؤب؟؟!!..
أما عمامة القرضاوي فمنقوعة بالدم الذي يتقطر منها على كتفيه ..دم الليبيين ودم السوريين ودم كل المسلمين المغرر بهم..وسيغرق هذا القرضاوي بهذا الدم يوما..وسيتغرغر به ويستحم به ساخنا كما يتغرغر الآن ويستحم بفتاوى الموت الساخنة ..صباح مساء ..
و عمامة الشيخ العرعور تجعلني أتساءل عن ماتحت هذه العمامة الدينية من جحيم الجنون والتي لاتخفي تحتها سوى قلنسوة حاخام يهودي مترامية الأطراف تتدلى حتى الكتفين ..لأن من يدعو للفتنة في بلد مسلم لايلتقي الا مع الأحبار .. أحبار اليهود ..ولأن من يدعو للموت في سورية وطنه لافرق بينه وبين موشي دايان الذي صنع لبلد آمن أمين ..كارثة بحجم كارثة حزيران .. ولافرق بين تعليماته على "وصال" وبين تعليمات التلمود في أية مدرسة دينية يهودية في القدس المحتلة..
و عمامات السعودية هي العمامات التي تغطي رؤوسا كالقنابل الذرية لأن من يفتي بقتل ثلث السوريين لافرق بين رأسه وبين رأس نووي .. وهذه "الرؤوس النووية" التي تملكها السعودية هي التي جعلت رساما غربيا لا يرى في هذه الرؤوس الا نتاج نبينا (ص) .. ونبينا صاحب أعظم صيحة تسامح وغفران (اذهبوا فأنتم الطلقاء) في عليائه غاضب من فقهاء السعودية ووجهه محمر (كأنما فقئ فيه حب الرمّان) كما كان يقال عندما يغضب..
لكن ثلاث عمامات صالحتني مع الله الذي صادرته مني عمائم الدم في الدوحة وعمائم الرؤوس النووية في الرياض والعمائم المتثائبة في الأزهر الشريف ..نعم تصالحت مع الله .. ومع المحبة ..ومع الاسلام الذي صادره قرضاوي ولحيدان والطيب وطنطاوي وعرعور وكل أفاق زنيم ..هذه العمامات الثلاث هي عمامة الشيخ الشهيد أحمد ياسين .. وعمامة السيد حسن نصر الله .. وعمامة الشيخ أحمد بدر الدين حسون التي دخلت يقيني فجأة وانسابت في قلبي كما تنساب الخواطر عبر كلمته المؤثرة في تأبين ولده سارية ..
هذه عمائم متصلة بعمامة صلاح الدين وعمامة محي الدين بن عربي وعمامة عز الدين القسام عبر الزمن ..وعمامات ياسين ونصر الله وحسون كلها قدمت أغلى مافي الكون .. النفس أو الابن ..من أجل موقف ووطن ومبدأ ..
نعم، انتقل الشيخ أحمد بدر الدين حسون من مرتبة المفتي الرسمي للجمهورية الى مرتبة "مفتي القلوب الثائرة" ..ان كلمته في تأبين ولده الذي اغتالته كتائب "الثوار" دون وجه حق، جعلتني أتصالح مع العمائم الرسمية بعد أن كفرت بها ..فأنا لم أكن أمام مفت عادي .. ولم أكن أمام واعظ للسلطان .. ولم أجد عمامة من قماش بل عمامة منسوجة من صبر وقوة واسلام .. وكأنني كنت بالأمس أمام ثائر من الثوار الأوائل ..وأمام مؤمن ثائر .. وأمام رجل كأنه تحدر الينا من جيش خالد بن الوليد..الذي دخل الشام ولم يخرج منها .. والذي يريد جيش هرقل (الناتو) أن يعيده الى حضرموت.. ولكنه تحدى عملاء الناتو وأصر على يقطع صحراء الشام كما جيش خالد الظمآن دون توقف، وقد عبر المفتي صحراء الشام بصوته المتأثر بجرح قلبه .. وجرح الوطن ..وجرح الاسلام من ثوار اسلام الناتو..فوصل صوته الينا..
من منا لم يستمع مهزوما برجولته أمام رجولة الشيخ أحمد بدر الدين حسون .. المفتي المكلوم بفلذة كبده؟ .. ومن منا لم يستمع اليه مقطبا حاجبيه مرتعشا من تأثره؟ .. انني أستطيع اعادة كلمة المفتي عن ظهر قلب كلمة كلمة منذ أن سمعتها في المرة الأولى.. لأنها وصلت الى قلبي الذي ارتجف واهتز مع اهتزاز كلمات الرجل الحزين التي هدرت وهي تغادر حنجرته مبللة بالدمع على فراق حبيب ..وأنين وطن ..ومبللة بالشكوى الى الله
لم يفكر سوري واحد بمذهبه ومذهب أبيه وأمه وهو يستمع للشيخ حسون .. ولم يتذكر مسيحي واحد أنه يستمع لرجل دين مسلم ..بل كنا جميعا نستمع لصوت أب جريح .. وصوت مؤمن بقضاء الله ..وصوت وطن يزأر .. وكان في صداه صوت خفقان لراية كبيرة ملونة "بالأحمر والأبيض والأسود .. وفيها نجمتان" ..
الآن ينتمي الشيخ حسون الى قائمة الأبطال الذين يقدمون الأبناء ولايندمون .. وينتمي الى ثقافة أسماء بنت أبي بكر، وفارسها الذي لايترجل، والشاة المذبوحة التي لايهمها السلخ .. وحزنه على سارية أسمعني صوت جده الصحابي العظيم عمر بن الخطاب وهو يقول: ياسارية الجبل الجبل ..لأن شيخنا المفتي الكريم كأنه كان يقول في حزنه الغاضب وغضبه الحزين: ياسارية ..الوطن الوطن..
أيها المقاتل الكبير أحمد بدر الدين حسون ..تقبل احترامي وتعازي .. وتقبل 23 مليون دمعة ومعها ...تعازي ودمعتي
نارام بن آرام سرجون