الضجيج الشديد لايسمح لنا بقراءة دقيقة للواقع.. نحتاج للهدوء.. ونحتاج للثقة بالنفس.. ونحتاج لتفحص المعلومات بعين الفاحص لاأن نقوم "بتعذيب المعلومات"..
في دراستي لنيل الدكتوراه تعلمت أن الغاية من الحصول على الدكتوراه ليست في كتابة الأطروحات المطولة بل تدريب العقل على الملاحظة الدقيقة والتقاط اللحظات الحاسمة في مراقبة الظواهر لاجراء النقد والتحليل ثم الحصول على الاستنتاج العلمي الدقيق دون تحيز .. وأتذكر أنني في بداية دراستي الأكاديمية البحثية حصلت على نتائج باهرة تسمح لي بنشر الأبحاث في المؤتمرات الدولية وتستقطب الاهتمام .. ولكني عندما عرضت النتائج متحمسا على أستاذي في الجامعة تأملها بعين ثاقبة ثم نظر الي وقال: ألا تعتقد أنك قمت بعملية تعذيب المعلومات؟؟ وفوجئت بالتعليق والحكم فنظرت اليه مستفهما فقال:
"نتائجك ممتازة جدا لكنك قمت بتعريض المعطيات لديك والأرقام لليّ العنق وأجبرتها على "الاعتراف" بما تريد أنت أن تحصل عليه لتنشره كحقائق .. يمكنك نشر البحث ولكنك لن تتمكن من ترجمته على الواقع ولن تقنع به أحدا ..لأن النتائج التي حصلت عليها كانت نتيجة اعتراف "الأرقام" تحت "تعذيبك" للمعلومات .. لقد أخضعتها لمعادلات أنت تريدها ومارست الضغط الشديد عليها وقمت بجلدها كي تعترف .. البحث العلمي هو البحث عن الحقيقة .. وليس عن الأمنيات والأحلام وتلبية الرغبات" ..
ثم أعطاني الأوراق وأضاف مبتسما: "كل شيء في الحياة يشبه البحث العلمي .. كلنا نبحث عن الحقيقة لتبوح لنا بما لديها فقط لا لنجبرها على اعترافات تناسبنا.. الحقيقة جميلة كالمرأة الجميلة.. وتعذيبك لها لن يجعلها تحبك.. مهما قالت: أحبك"..
بالطبع كان ذلك درسا لايضاهى في قيمته أعتمده منذ ذلك الوقت في كل حياتي للحصول على الحقائق من دون خداع النفس بل باستعمال التحليل السليم ..للحصول على الحقيقة ..