العندليب والعرعور وصبحي الحديدي.. وبلاكووتر في سورية أخيراً

هناك بعض الكتاب الذين تمضي وقتك تتابعهم باحترام على سنوات، ورغم أسئلة محيرة حولهم تراودك حول غموض ما في مواقفهم في الحياة فانك تعطي العذر لهم لانهم يقدمون لك باقة من الجمال الأدبي والنقد الجميل ويرتقون الى مراتب سامقة عندما يجتازون امتحانا صعبا في الانفصال عن الذاتية وكسر وسوسات عقدهم الانسانية.... لكن هؤلاء فجأة يسقطون عندما تجرفهم موجات الشخصانية وينضحون من عقدهم ويسفكون دم أسرار نفسيتهم على الورق ولايتمكنون من التخلص من الذاتية في سبيل الموضوعية ..والسقوط هو السقوط..

هذا هو حال الكاتب صبحي حديدي الذي كنت أتابع مايكتب باهتمام واحترام رغم أنني كنت أختلف معه كثيرا حول الكثير من الغبار الذي يثيره حول الوطن السوري ..الى أن وقعت الأزمة السورية فكانت هذه الأزمة هي التي كشفت جانبا من ضعفه الانساني وانزلاقه من مرتبة عليا في الكتابة الى مرتبة الكتاب الانفعاليين الذين لايمكنهم فصل ذواتهم عن مواضيعهم وأزماتهم النفسية كأفراد..مهما تمترسوا خلف الأعمال الأدبية والترجمات والكلام الثقيل الوزن في الثقافة ..فهم خارج اختصاصهم الثقافي بشر ضعفاء تحركهم الأهواء..
صبحي حديدي كان يأخذنا في كتاباته في رحلات ممتعة الى ابداعات بابلونيرودا والى غريغوري راباسا والى غارسيا ماركيز والى خوليو كارتازار والى ميشيل زيرافا والى كين كيسي والى ادوارد سعيد والى.. والى.. والى ..الخ. ولانفاجأ بما يورده لنا في السياسة عن برنارد لويس ودانييل بايبس وليو شتراوس .. ولاننزعج منه اذ يعرج على الداخل السوري بين الفينة والأخرى ناهشا من سمعة النظام بقلم كأنياب الذئب..
بعد اندلاع الأحداث السورية التي كان حديدي يتابعها بدقة، كنت أنتظر منه تحليلا موضوعيا يعطي فيه كل ذي حق حقه، فيلوم النظام ويؤثمه (كما اعتاد) ويغمز من قناة البلطجية (الثوار) والراديكاليين والعنيفين ضد أبناء وطنهم..الى أن أتحفنا صبحي ذات "صباح" بمقالة "حديدية" رومانتيكية عن (عندليب الثورة السورية)....نعم عن عندليب الثورة !! ..وهو عنوان مقالته التي صبها على صفحات جريدة أورشليم (المسماة القدس العربي للتمويه) بعنوان "عندليب العاصي وببغاء الحوار الوطني.."
بالطبع كان حديدي يعني مغنيا مجهولا اسمه ابراهيم قاشوش هو المغني الحموي الذي وجد مقتولا (ويكاد يحوله البعض رمزيا الى معطوب الوناس السوري) الذي أسبغ عليه حديدي ألقاب "بلبل الثورة" و"حنجرة الثورة السورية" و"عندليب العاصي".. وبسهولة مطلقة أصدر حديدي (الدقيق في كل شيء الا هنا) الحكم على أن الفاعل هو الشبيحة ورجال ماهر الأسد .. ولم ينس حديدي أن يصب جام غضبه وسخطه على تجاهل اللقاء التشاوري - الذي عقدته السلطة السورية مع المعارضة في الداخل أمس - لاغفال المجتمعين الاشارة الى الطفل الشهيد حمزة الخطيب والشاعر الذبيح القاشوش..!!
بكى صبحي على صفحات (أورشليم) بكاء مرا وأفرط في بكائه على الضحايا واجتهد من عندياته في تفسير غياب العضو الذكري للطفل الخطيب - الذي برهن الطب الشرعي أنه بسبب التموت الذي أصابه بعد اصابته بطلقة في الحوض أثناء هجومه (مدفوعا من المحرضين الثوار) على مواقع سكن العسكريين السوريين بشهادة زميله في المعركة - ... فيتجاهل حديدي هذه الحقيقة العلمية القاطعة ويقول لافض فوه: (الجهات الأمنية تسعى إلى تثبيت هيبة الإستبداد، توفّرت في إقدامها على بتر العضو التناسلي للطفل الخطيب، لكي تفيد الرسالة بتر الرجولة حتى قبل أن تتفتح أو تبلغ سنّ الرشد، وقطع دابر الإحتجاج حتى في أنساقه العفوية والجنينية الأولى).. ويضيف بعبقرية الفاحص الدقيق وذكاء شارلوك هولمز المتقد (أمّا في نموذج قاشوش، فقد شاءت السلطة تلقين الكثير من الدروس، بينها هذه كما للمرء أن يرجّح: الحنجرة التي تهتف على هذا النحو من الجسارة ضدّ رأس النظام، وضدّ شقيقه ماهر الأسد وأقرب معاونيه، لا بدّ أن تُجزّ؛ ولا بدّ للنهر، الذي تحمل الساحة اسمه، ويوحي معناه بالثورة والتمرّد والاحتجاج والعصيان، أن يستقبل جثّة قاشوش، بعد إسكات حنجرته إلى الأبد؛ ولا بدّ للمدينة، التي ردّدت طويلاً أهازيج قاشوش، أن تراه بأمّ العين ذبيحاً من الوريد إلى الوريد، لكي يصير عبرة لمَنْ يعتبر..)..
هذه العبقرية الحديدية في قراءة وتشخيص الجريمة وتحليلها نفسيا والبحث عن العقاب (التي بزت عبقرية ديستويفسكي في الجريمة والعقاب) لزمت الصمت المطبق وأصابتها الغيبوبة وعلا شخيرها عند قتل ضابط سوري وولديه في حمص تقطيعا بالسواطير .. وكذلك كان ضمير حديدي يعاني الشيزوفينيا والنسيان عندما ذبح المزارع السوري نضال جنّود على أيدي الثوار المباركين القديسين الطاهرين وقطعت السواطير جسده ووجهه ... والفارق هنا أن جنّود رآه الجميع في عملية ذبحه على الهواء مباشرة (بمن فيهم صبحي حديدي بلاشك) وعرف الجميع القتلة من "الثوارالأبطال"، أما في حالة الطفل حمزة فان الجزيرة (الصادقة) هي من قرر أنه عذب بيد جهاز الأمن دون أي دليل، ولكن حديدي المهووس بالدقة الأكاديمية لم يتحقق هنا وقرر أن يتبع هوى الجزيرة ومفكرها عزمي بشارة ..
هذه العبقرية الحديدية فشلت فشلا ذريعا في رؤية مجازر جسر الشغور (كما فشلت الرادارات السورية في كشف الطيران الذي أغار على الموقع النووي السوري وقرّعها حديدي بسخريته)، وقررت عبقرية حديدي أن تنال قيلولة الظهيرة بعمق المرهق المتعب الواني بعد يوم حصاد، وأن تغلق أنفها كيلا تشم رائحة الجثث التي أنتجتها الثورة المباركة... الحديدي كذلك لم يسمع عن المقابر الجماعية في جسر الشغور لأن قاموسه الانساني متخصص في مجازر ماهر الأسد فقط، ولأنه كان مشغولا في انتقاء كلماته المشعوذة والراقصة التي يلونها ويرصعها بعناية بأسماء الكتاب اليساريين والبيوريتانيين الطهوريين تحضيرا للمقالة القادمة في تأثيم بشار الأسد ..ويشبه صمت صبحي حديدي هنا عن عنف الثوار بصمت شهرزاد (اذ أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح) .. والصباح يدرك صبحي كلما ارتكب ثواره مجزرة بحق السوريين، فيسكت عن الكلام المباح..!! 
وقد رصع حديدي ضميرمقالته (العندليبية) كعادته بمثال متحذلق من حكايا اليسار الثوري الذي لايمل من امرارنا عليه حتى بتنا نعتقد أنه كان مع تشي غيفارا في معاركه الثورية في اميريكا اللاتينية، وهي حكاية المغنّي والموسيقيّ والشاعر والأستاذ الجامعي التشيلي فكتور خارا، مع الطغمة العسكرية التي قادت الإنقلاب العسكري ضدّ سلفــــادور ألليندي، سنة 1971 حيث استخدم الجلادون الهراوات وأعقاب البــــنادق في تكسير أصابعه، رمز قيثارته وموسيقاه الشعبية الملــــتزمة، قبل أن يعدموه رمياً بالرصاص....
صبحي الحديدي الذي أسبغ الألقاب على قاشوش وبلابله واستحضر لنا اليسار واليمين والشمال والجنوب وجاء بروح فكتور خارا موجودة لمناصرة قاشوش، لانزال ننتظر منه فصل المقال في أغاني عندليب آخر ومنشد الثورة ومواويلها الطائفية ..وكروان الاسلام ..والشحرور والحسون البيوريتاني السوري الداعية الشيخ التقي النقي الورع عدنان العرعور..الذي لاأشك لحظة أن رائحة أنفاسه الكريهة وصلت الى باريس حيث يتشمم حديدي رائحة الموت في الشوارع السورية.. صبحي لايسمع مايقوله العرعور وأذنا صبحي تعانيان من صخب وضجيج صراخ المعذبين في أقبية المخابرات السورية ولذلك فان ثقافته عجزت عن رصد دعوة العرعور بالتضحية بمائة الف سوري لاسقاط النظام.. وحديدي كان مشغولا بدراسة بابلونيرودا وماركيز ولم يسمع بتبرع اللحيدان بثلث أبناء الشعب السوري للموت من أجل تغيير نظام الحكم .. أي بحساب بسيط 8 ملايين سوري (وهذا أكبر من هولوكوست بني اسرائيل) ..وستصل رائحة الجثث والشواء الى المريخ والى الصحابة وآل البيت في علياتهم...ومع هذا لم يفق صبحي وهو يعزف على قيثارته ألحان الشهيد والحرية والبلابل ويرقأ الجراح ويستبكي الحجر..
 صبحي الذي كتب في الأمريكيين وابو غريب والمحافظين الجدد أكثر مما كان أسامة بن لادن والظواهري يقولان وأدهشنا بغيابه عن مؤتمرات المعارضة تحت المظلة الأمريكية الصهيونية في انطاليا وفي باريس.. لم يسمع بوصول السفير الأمريكي الى عقر داره في مدينة حماه ودعمه للثوار وكأن السفير كان في عطلة استجمام في السافاري الجنوب أفريقية أو محميات كينيا الطبيعية..
كيف يمكن أن يصل الثوري الى هذا النوع من التنافر؟؟!!..هؤلاء الثوريون أمثال حديدي يشبهون المخلوقات الأسطورية الاغريقية مثل الغريفين مثلا (وهو مخلوق يتألف من جسم أسد وأجنحة وأيدي ورأس وريش نسر) .. كيف يصير صبحي اليساري البيوريتاني مليئا بالطلاسم مثل حصان البغاسوس المجنح ابن بوسيدون؟ .. يكتب لنا عن اليسار والطهوريين والتمرد على الجهل ويغني مع قاشوش ولا يقشعر بدنه من سماع صوت نعيق ونعيب عدنان العرعور ولا يسمع صوت الرصاص القادم مع المتظاهرين ..ولايشم رائحة بارودهم.. ويصبح لون الدم الذي يسفكه الثوار كالماء، ويصبح كل من غنى مع الثورة عندليبا حتى لو كان عرعورا..
صبحي الحديدي يطل علينا بصورة فوتوغرافية (في كل المواقع) يصر فيها على الظهور المسرحي الأسطوري بنظرة عابسة تركز عينيها الغاضبتين في القارئ وتذكراننا برواية جون أوزبورن (انظر خلفك بغضب) ويطبق الفم باصرار الثائر، فيما يلتحي الوجه بلحية هجينة بين لحية المفكر ولحية المتمرد الذي يريد أن يستلهم غيفارا وأن يعزف لحنه وأغانيه .. لكن شجاعة حديدي خانته وأمانة الثوار انزوت مهزومة عندما لم يجرؤ على أن يتصدى للحن العرعور والقر ضاوي والشقفة الذين يريدون اكتساح الشعب الذي كان يحمل صورة غيفارا يوما .. ويريد امعارضون أن يحملوه صور العرعور واللحيدان والشقفة وأردوغان العثماني .. ماذا سيبقى لصبحي الحديدي الثوري اذا سقط الأسد ووصلت أناشيد اللحيدان والعرعور وأردوغان والشقفة...؟؟
ملاحظة لاأدري ان كان صبحي سمع بها:
سيئة الذكر التي تنشط في المهام القذرة من قتل الشيعة في العراق باسم السنة وقتل السنة باسم الشيعة والتي تلقى عليها اللائمة في تفجيرات الباكستنان في الأسواق والمناطق السنية والشيعية وبالعكس...ومهمتها في لبنان وسورية قتل (الأطفال) وقتل بلابل الثورة وقطع حناجرها كي يكتب عنها صبحي الحديدي ورهطه المعلقات والبكائيات..... بين السوريين أن السبب الوجيه لمغامرة السفير الأمريكي واقتحامه للأعراف الديبلوماسية نحو حماه أن قوات الأمن السورية اهتدت الى تحديد مكان رجلين أمريكيين في حماه ينسقان عمل "الثوار" وباشرت في تطويق المنطقة للقيام بحملة تمشيط دقيق لاعتقالهما .. وهما أهم صيد في هذه المواجهة.. وقد أبلغ المحاصران قيادتهما التي أوعزت للسفير بالتحرك ثم حذرت الجانب السوري من تعريض حياتهما للخطر كما أبلغت الجانب السوري أن السفير مكلف من قبل الحكومة الأمريكية بحماية مواطنين أمريكيين لن يستسلما الا الى السفير الأمريكي ريثما يتم التفاوض بشأن اطلاقهما مع السلطات السورية..ولذلك ترك السوريون السفير يغادر الى حماه (وشاركه السفير الفرنسي في حفلة التغطية بالتنسيق) دون معوقات.. وقد وفر المسلحون من عناصر الاخوان المسلمين المحاصرون سلامة الطريق للسفير داخل المدينة وتم تسليم الرجلين (المحميين من عناصر مسلحة ربما تابعة للاخوان المسلمين) اليه سالمين واللذين عادا معه الى السفارة بواسطة سيارته الديبلوماسية .. الأهم من ذلك أنه يشاع الرجلين كانا من تتردد