جان بول سارتر مؤسس المدرسة الوجودية في الفلسفة كتب يوما عن قضية الاختيار والقرار قصة ضربها كمثال عن كيف أنه أثناء الاحتلال النازي لفرنسا انضم كثير من الشبان لحركة المقاومة وكان هناك شاب في احدى القرى يعيل والدته التي ليس لها سواه. وفي حيرته أمام سؤال هل يختار الالتحاق بالمقاومين واحتمال الموت ويترك أمه تتدبر أمرها أم يضحي بفكرة المقاومة من أجل عمل نبيل آخر وهو رعاية والدته التي ليس لها معيل سواه. وفي القرية كان هناك رجل يحمّس الشباب للمقاومة وكان فيها أيضا قس يرعى كنيستها. واحتار الشاب ..أي رجل يسأل ليساعده على اتخاذ قرار. وبعد تردد قرر سؤال القس الذي نصحه بالبقاء الى جانب والدته رأفة بها وتطوعا لعمل نبيل مختلف عن فعل المقاومة.
سارتر فسر الأمر على أن الشاب كان سلفا قد حسم أمره بعدم الالتحاق بالثوار ولذلك قرر أن يتوجه بسؤاله الى القس الذي كان معروفا في القرية بآرائه المسالمة وكان الشاب يعرف أن سؤال الرجل الحماسي للمقاومة سيكون جوابه قطعا بترك الأم لمصيرها والالتحاق بالمقاومة ولذلك اختار أن يسأل القس وهو مدرك سلفا لنصيحته
بالرغم من ان مثال سارتر ينطبق على طرفي الجدال السوري المؤيد للنظام في سوريا والمعارض، لكن تميز المؤيدون للنظام بانفتاح ذهني جدير بالاحترام ومفاجئ من نظام اتهم بالانغلاق فيما تميز المعارضون بأنهم تحولوا الى مايشبه جهاز الراديو الذي كسر فيه مفتاح الصوت ولم يجد معه الا أن تلقيه في النهر أو تنتظر مجبرا حتى تنتهي بطاريته والا بقي يبث ولايستقبل بصورة مضحكة ومزرية حتى يصاب الجميع بالصداع.. تتحدث معهم فلا يسمعون .. تريهم الحقائق القاطعة وكأنك تتحدث مع التماثيل .. مجانين الثورة السورية اختاروا سلفا موقفا يناسب أهواءهم وخيارهم.
كان المجانين من مؤيدي الثورة السورية يصابون بالهستيريا كلما قلنا لهم هذه ليست ثورة بريئة وهناك قتل للناس يرتكبه مندسون لاثارة المشاعر. اختار المجانين المتعاطفون مع الثورة محطة الجزيرة والعربية وأورشليم والاعلام السعودي الحريري واعلام بريطانيا وفرنسا لاستقاء معلوماتهم ورفضوا الاصغاء لأي رأي آخر في تعصب منقطع النظير يدل على جاهلية اعلامية وصلت حد عدم تصديق الأدلة القاطعة على كذب هذه المؤسسات الاعلامية .... ..أحد أصدقائي المعارضين كان يريني ماحواه كومبيوتره ويتساءل مدهوشا أمام المناظر المرعبة: أليست لكم عيون؟ ..أليس لكم قلوب كي لاتبكوا على ضحايا النظام..؟؟!!
كنت أراجع تلك المشاهد المؤلمة على اليوتيوب وأجد ان الناس يصدقون بسهولة الادعاءات الواردة على مقاطع اليوتيوب دون أي توثيق أو تثبت من مصداقية .. ولاحظت أن مصوري المشاهد المؤلمة يقتربون من الضحية التي تحتضر أو تنزف ثم يصدر صوت غاضب من المصور بشتم كلاب الأمن والرئيس بشار الأسد ونعته بألقاب المجرم والقاتل ولاندري ان كان الصوت مركبا على صورة سابقة ودون أي دليل على أن الضحية اصيب برصاص الأمن ... ثم تأتي مشاهد أخرى لرجال يحملون ضحايا مسربلة بالدم وكل هذه الضحايا مصابة في الرأس والعين والعنق وأعلى الصدر ويكون عنوان المشهد مثلا: شهداء يوم جمعة كذا وغير ذلك الذين قتلهم المجرم بشار الأسد ..وبالأسماء..وقد جهدنا في اقناع مؤسسات صحفية مستقلة غربية بأن تتبنى هذه الصور فرفضت لأنها تفتقر الى الكثير من المعلومات والدقة ولايعرف مصدرها ومن المستفيد والمتضرر منها..
وكان الثوار يؤكدون على سلمية مظاهراتهم وأن الأمن أطلق النار عليهم...وأنهم لم يرفعوا سلاحا ولايملكونه وفي هذا حقيقة كبيرة في الأيام الأولى للأحداث فقط.... لكن كل هذه الهستيريا كانت تغمض العين عن ضحايا الجيش والأمن والمدنيين ولاتجهد نفسها في التساؤل عن حقيقة مايجري بل وتقول انهم ضحايا الشبيحة وتردد ببغائيا ماتلقنهم اياه الجزيرة وأخواتها..والغريب أن معظم المشاهد على اليوتيوب لانعرف ان كانت تلفيقا أم صورا من بلد آخر ولانعرف ان كانت الأسماء المزعومة هي حقيقية..وما من سبيل لمعرفة الحقيقة في هذا السيل والطوفان الهائل من الصور والفبركات
الحقيقة هي أننا جميعا نتألم ونبكي على مايحل بالسوريين لكن الحقيقة الأخرى هو أننا نرى مالايراه المتعاطفون مع الثوار المجانين .. اننا نرى الدسيسة والمكر وسنقول بصراحة بأننا أحسسنا بالخجل والعار في الأيام الاولى من الاتهامات بأن الأمن يطلق النار بلا تمييز الى أن انجلت الحقيقة وعرفنا أن الضحايا - وخاصة بعد الأيام الأولى للأحداث - قتلوا بيد مدربة على القتل لالصاق الاتهام بالشرطة والأمن..وصرنا نفقد تعاطفنا بالتدريج مع المتظاهرين ونميل للاعتقاد أن من لايعمل عقله ويصر على النزول الى فخ ثوار العنكبوت ويقع بين أيديهم كالذبابة الغبية يستحق أية نهاية ومع هذا يتبعه آخرون ...انهم لايستحقون سوى الشفقة وفقدنا تعاطفنا معهم ..انهم يرمون أنفسهم في الفخاخ والتهلكة ويتسببون بأزمة مجتمعية كبيرة بسذاجتهم ويتحولون بالتدريج الى أدوات وروبوتات مسيّرة بالريموت كونترول بعد السيطرة عليها نفسيا وعاطفيا ..
وأخيرا ظهرت جسر الشغور بآلاف المسلحين المدربين الذين يتقنون استخدام السلاح المتنوع ونصب الألغام والكمائن واستخدام الخدع السينمائية وفبركة المقابر الجماعية كما تبين من اعتراض مكالمة بين المسلحين يتبادلون الرأي حول دفن قتلى الأمن السوري الكثر في قبر واحد ثم نبش القبر وتصويره على أنه اكتشاف لمقبرة جماعية ارتكبها النظام بحق مدنيين متظاهرين سلميين..الثورة السلمية تبين أنها مدججة بالسلاح حتى التخمة ...ومجانين الثورة يصرون على أنها سلمية ..فلماذا اذا يضطر الجيش لادخال الدبابات لولا ادراكه لحجم السلاح على الطرف الآخر وخطورة سلاح هذا الطرف الآخر..
لاتوجد ثورة في الدنيا تفرز تنظيما مسلحا متقنا دوره العسكري والاعلامي بهذه السرعة خلال 8 أسابيع...مايظهر من أدلة قاطعة يدل على أن النسبة العظمى من المتظاهرين الذين قتلوا في المظاهرات قتلوا على يد مجموعات مدربة تدريبا عاليا متخفية في الأبنية وعلى الأسطح لاراقة المزيد من الدم لاثارة الناس فلا يثير الناس الارؤية الدم ..اصابات الضحايا المتظاهرين كانت دقيقة للغاية في أماكن قاتلة ولو كان الأمن هو الذي يطلق النار لكان الهدف من النار احداث اصابات عشوائية كافية لاخراج المتظاهر المستهدف من ساحة المواجهة في الشارع..أما الاصابات في المظاهرات السورية فهي قاتلة ومسددة بدقة متناهية الى المنطقة العليا من قبل قناصين محترفين لايمكن لرجل أمن يتحرك في شارع أن يقوم بالرمي الدقيق في هذه الظروف من الحركة والكر والفر..
وفشلت حتى هذه اللحظة كل كاميرات الثوار في رصد بندقية واحدة لرجل أمن يطلق النار أو قناص (شبيح) متخف خلف تموضع رجال الأمن يطلق النار رغم انتشار آلاف الكاميرات والموبايلات التي تصور لحظات احتضار الضحايا واختلاجات أرجلهم وأيديهم لدقائق قبل أن يموتوا وكنت أستغرب هذه الأعصاب الباردة من مصوري الثورة وهذا التدريب على ضبط الاعصاب أمام مراهق ينازع سكرات الموت فيما المصور لايسعفه بل يصوره ويركز على الدماء النازفة ويتصرف بالضبط كما يتصرف مصورو عالم الحيوان في الغابة عندما يقفون يصورون غزالا يموت ببطء بين فكي ضبع أو تمساح...ويبدو المصور متلذذا بالموت لأنه سيبعث بالصورة الى كل الدنيا لتؤيد ثورته...ولاينسى تذكير المشاهدين بأن القاتل هو بشار الأسد عبر سيل من الشتائم والانفعالات العاطفية وخزين الكراهية والقيح مع الاتهامات بأن القاتل هو بشار الأسد.. كيف لم يتسن لهؤلاء المصورين أن يركزوا عدساتهم من زوايا خفية لتصور رجال الأمن يلقمون ويطلقون (باستثناء المشاهد القليلة التي استعيرت من مظاهرات أخرى والصقت برجال الأمن السوريين. وعند تفنيدها لزم مجانين الثورة الصمت
الكثيرون ممن تجمعوا لمشاهدة المتظاهرين عن قرب من باب الفضول والمراقب قالوا لنا ان أية مظاهرة فيها دوما مجموعة صغيرة نشيطة جدا تتحرش بالأمن باستفزاز واضح لاستدراجهم لمواجهة المتظاهرين وعندما لايرد الأمن يقومون بمهاجمته وأحيانا يظهر اطلاق نار سريع باتجاه الأمن من جهة المتظاهرين أو باتجاه المتظاهرين بعد أن تنفصل هذه المجموعات النشيطة المدربة فيما يستدرج الأمن للرد على النار فيسقط متظاهرون وتكون مادة الفيلم الاعلامي بالتالي قد صارت جاهزة لتلوكها أسنان الجزيرة..وعيون البسطاء وقلوبهم
جسر الشغور دليل قاطع لايقبل الشك أن المتظاهرين كانوا منقادين بمشاعر الدم المسفوك من قبل هؤلاء القتلة الذين ظهروا بامكانات القتل المتقن وبدا يقينا أن الجهاز الأمني ضبط نفسه الى أقصى الحدود ولايعتبر مسؤولا عن معظم الضحايا ...آلاف البنادق المدربة والفخاخ والألغام لايمكن الا أن يكون لبعضها مهمة التضحية ببعض المتظاهرين كوسيلة دنيئة توصل لغاية نبيلة كما أفتى القرضاوي (مفسدة صغيرة من أجل مصلحة كبيرة)..
المتظاهرون كانوا يخرجون مندفعين بصدق مشاعرهم المستفزة لكنهم كانوا يضيفون مزيدا من الزيت عبر استهدافهم بالقتل واستخدمت صورهم في التحريض
منذ أيام وقبل أن يهاجم القتلة المعارضون جسر الشغور بزمن طويل أذاعت وسائل الاعلام أن ضباطا أتراك يحضرون معسكرات لللاجئين السوريين وكأن الجيران الأتراك يعلمون سلفا أن التمرد الدموي سيكون على بعد خطوات من حدودهم قبل أن يبلغ به أحد وقبل أن يتوقعه أحد ..هل يحتاج مجانين الثورة أكثر من هذا..؟؟
الرسالة واضحة لمجانين الثوارالمسلحين بالعار والذين يرشفون الدم فجرا في فنجان القهوة العربية ويتكرعون الحقد ..الثورة المضمخة بالكذب والكراهية والرصاص لن تقنعنا لأنها أشبه بشمطاء تتزين بالألوان والثياب المزركشة والأسنان الصناعية لتصطاد الرجال والشرفاء ولكن رائحتها المنفرة ولون الدم الذي نراه بمجرد الاقتراب منها يذكرنا بقصيدة نزار قباني عن عجوز شمطاء...لاحظوا التشابه بين ثورتنا السورية وبين هذه العجوز التي يصفها نزار قباني:
عبثاً جهودك .. بي الغريزة مطفأه
إني شبعتك جيفةً متقيئه
تدعو .. وفي شفتيك تحترق امرأه
إني قرفتك ناهداً متدلياً
أنا لا تحركني العجائز .. فارجعي
لك أربعون .. وأي ذكرى سيئه
أخت الأزقة .. والمضاجع .. والغوى
والغرفة المشبوهة المتلألئه..
شفةً أقبل أم أقبل مدفأه؟
الدود يملأ قعرها والأوبئه..
صيرت للزوار ثديك مورداً
فبكل ثغرٍ من حليبك قطرةٌ
وقرابةٌ في كل عرقٍ .. أو رئه
والإبط .. أية حفرةٍ ملعونةٍ
الدود يملأ قعرها والأوبئه..
صيرت للزوار ثديك مورداً
إما ارتوت فئةٌ .. عصرت إلى فئه
فبكل ثغرٍ من حليبك قطرةٌ
وقرابةٌ في كل عرقٍ .. أو رئه
--------------------------------------------
الغرفة المشبوهة المتلألئة هي الجزيرة، والدود هو المسلحون القتلة، وقطرات الحليب من الثدي المريض هم شهود العيان، والابط الذي يشبه حفرة ملعونة هو قطر وتركيا، والزوار الذين يزورون أثداء الثورة الذين يقصدهم نزار قباني هم: حمد وأردوغان ساركوزي وكاميرون وأوباما ..اسألوا عزمي بشارة ووضاح خنفر وعطوان وعبد الرحمن الراشد وطارق الحميد وعثمان العميرعن الرضاعة من ثدي العجائز ..رضاعة يتقنونها ومن لايصدق قليقرأ مايقرؤون ومايكتبون...