حمدي قنديل.. في حديث الافك: من أمة مهند الى.. أمة موزة وحمد

حمدي قنديل هو الصحفي المصري الذي تألق في دفاعه عن المقاومة والممانعة.. وليس من السهل النيل منه في مواقفه عندما يعترض على رأي للمقاومة.. ولكن هذا لايعني أن لا نتناول رأي الأستاذ قنديل بالنقد والتحليل والتشخيص خاصة في توقيته في هذه الأزمة السورية..

كنت أعتبر حمدي قنديل قنديلا من قناديل العرب رغم أنني كنت لاأحب لهجته الوعظية وخطابه الاستعلائي الصلف وهو يلقي "عظة" (قلم رصاص).. ومع هذا فقد غفرت لحمدي قنديل هذا التعالي في النغم طالما أنه يميل للمقاومة.. وعندما طرد قنديل من دبي بسبب ماقيل أنه بسبب موقفه المؤيد لخط الممانعة لم أفهم سبب اختياره لمحطة فضائية يمولها الزعيم القذافي (التي طرده منها بعد شهر طبعا) ولم ينضم للمنار مثلا طالما أنه يفضل منابر الحرية والمقاومة .. وقرأت تعليله لذلك فكان تبريرا ضعيفا للغاية ..ومع هذا فقد غفرت له ولكن ذلك لم يمنعني من أن أقول لمن حولي: "ان الرجل وطني ولكنه يحب رائحة النفط" .. يعني قمت باصدار فتوى فكرية اقتصادية حسب التعبير القرضاوي (ومالو؟؟!! ..ياخد كم دولاروهو يلقي عظاته) .. ولكن المحطة التالية في مواقف قنديل تدل على أنه يحب رائحة النفط  حبا جما .. وأنه أضاء قنديله من زيت كان من دمنا ..وأخشى أن الزيت صار .. نفطا..
فقد استمعت الى ماقاله الأستاذ حمدي قنديل مؤخرا من شرح لموقفه من الأزمة السورية .. بالطبع لم يكن حمدي قنديل مضيئا كما كان ..وخفت الوهج والضياء ..ويبدو أن لكل شيء اذا ماتم نقصان  .....فلا يغرّ بطيب العيش انسان ..


زيت القنديل انتهى -على الأقل بنظري -..وماكتبه قلم رصاصه في الماضي محاه بالممحاة حديثه عن الأزمة السورية التي كشفت أن مسباره الصحفي رديء في الأجواء العاصفة وأن قدراته الملاحية ضعيفة في الطيران في الأنواء والأعاصير ..
بالطبع وكعادته الجميلة في الحديث يتكلم حمدي قنديل بمنطقية وتسلسل يجذبان ..ثم يستعرض بتهذيب بعض الأحداث بصوته الرخيم الجهوري الهادئ ومخارج الحروف العربية النقية .. ولكن ضوء القنديل في الحديث عن سوريا كان يخبو بالتدريج حتى انطفأ تماما في نهاية الحديث.. ولم يعد في "قنديل" حمدي قنديل زيت.. ولم يبق من فتيلته الا الثمالة التي انطلق منها خيط دخان ضئيل..تلاشى وترك الهباب خلفه.. ..  

لانريد من الأستاذ حمدي قنديل أن ينافقنا ولاأن يتطابق معنا .. ولكننا أردناه أن ينصف نفسه أولا وقلمه ودم مئات الشهداء السوريين على يد القتلة والمجرمين الثورجيين .. وأنا لاألوم الأستاذ حمدي قنديل على رأيه الذي لايتفق مع كثيرين ولاأستطيع الادعاء أنه باع قلم الرصاص لأحد .. ولاأستطيع الادعاء أن قنديله وفتيلته صارا لايضيئان بالزيت الوطني بل بالنفط والغاز القطري .. فهذه تهمة عسيرة الهضم حتى عليّ رغم أن رائحة النفط القطري تفوح في المنطقة كلها ومن أفواه وأنفاس عشرات المثقفين كرائحة الثوم .. ولكني أرى أنه لم يكن موفقا في ذلك التصريح الذي اعتقدت أنه لايصدر يوما عن صاحب قلم الرصاص لما فيه من ضحالة التحليل والرؤية الليلية الضعيفة والعرج في الخطو .. وبدا أن قنديل تائه في تفسيراته وكانت كل كلمة يقولها مربوطة بسلسلة الى سؤال كبير ككتلة الحديد أو الرصاص تجره خلفها بتثاقل ..فلماذا يا قلم الرصاص؟  

الأستاذ قنديل قال كلاماً جعل مصداقيته تنزف كما نزف نضال جنود على طريق آلامه وهو يقاد الى الذبح.. فالأستاذ (الذي لايريد أن يرى نضال جنود بالطبع) قال ان الشعب السوري اضطر لحمل السلاح للدفاع عن نفسه ضد مجازر النظام ..!! ولم يجد قلم الرصاص أي أثر لمئات الجنود السوريين والمدنيين المذبوحين على يد المسلحين.. لأنه محاهم بممحاة قلم الرصاص..!!
اذا كان ضوء القنديل لا يرى كل الضحايا فهذه اما كارثة واما خيانة للضمير وشرف المهنة.. ..
لا يا أستاذ قنديل.. هذه ثقيلة جداً.. وبالذات منك 

 الأستاذ قنديل لم يسمع صوت سلاح المسلحين الثقيل.. كيف سيفسر الأستاذ أن المسلحين السوريين يدافعون عن أنفسهم بال أر بي جي ؟؟ وبأجهزة اتصال أمريكية معقدة ..وبقاذفات الصواريخ؟  ماهذا المدني المسلح بقاذف آر بي جي ..وصاروخ؟ ومن أين أتى به؟؟ يا لضياء القنديل .. ياأستاذ قنديل !!ويا لاتقاد المنطق ..ويالتوهج الضمير..ويا للشهب التي أطلقها قنديل حمدي قنديل !!
والأستاذ حمدي قنديل لايريد قبول دعوة الرئيس الأسد الى سوريا ودعوة السوريين لأنه لايريد دخول بلد فيه دماء ومجازر يرتكبها النظام .. كلام جميل ومعقول ونقف مطولا احتراما له ونرفع القبعات ..ولكن البطل حمدي قنديل كان بالأمس مع الرئيس معمر القذافي ويريد أن يطلق رصاص قلمه في ظل الراية الخضراء والكتاب الأخضر وزعيمه ومؤلفه الذي وفق نظرية حمدي قنديل لم يقل ديكتاتورية عن غيره الا بعد أن قتله الثوار ..ولاأدري كيف كان موقف قنديل من الثوار الليبيين ..
هنا وأمام هذا التناقض السلوكي والأخلاقي وهذه التمثيلية على دمنا يجب أن يعود الى الجلوس محتجا كل من وقف احتراما لعبقرية قلم الرصاص قبل قليل ..وأن تعاد القبعات الى الرؤوس ..خاصة بعد لهجة التعالي وهو يتحدث عن اعتذاره عن قبول الدعوة لرؤية (الراجل الكبير)..في سوريا..

مايجب أن يخجل منه كاتب وصحفي كبير مثل قنديل هو أنه يرفض قبول الدعوة السورية لزيارة سوريا للتحقق من ادعاءات الطرفين ..احتجاجا على الدم السوري المراق بيد النظام .. بينما يأتي صحفي عملاق أممي مثل روبرت فيسك بدأ بمهاجمة الرئيس الأسد في بداية الأزمة وقال ان 8000 دبابة سورية يملكها الأسد لمواجهة اسرائيل استدارت نحو الشعب السوري المطالب بالحرية ..ولكن فيسك الكبير التواق للحقيقة قبل الدعوة السورية وتحدى غضبه ودخل سوريا وحضر جنازات العسكريين السوريين وتحدث مع الناس وأعاد صياغة آرائه وبدأ يوازن موقفه وينظر الى المعارضة السورية بتشكك .. والى قطر باستغراب .. فهل وصل الصلف والخيلاء بالأستاذ قنديل أنه يرى التفاصيل عبر البحار ويسمع من على بعد آلاف الأميال وهو في مكتبه ..ويشم رائحة الدم السوري النازف بأنفه الكبير؟؟ اذا كان يعتقد أنه أعلى قامة من روبرت فيسك فهذه كارثة .. وبداية شيخوخة فكرية وأخلاقية ..  

ان "حديث الأفك" الأخير لقنديل هو أضعف أحاديثه على الاطلاق وأكثرها تفككا .. وأشدها تلونا بالتناقضات .. وفيها المثال القوي على مايسمى في الفلسفة بنفي النفي ..أول الكلام شيء وآخره نفي الشيء ..وبينهما النافي والمنفي ... ففيه لم يقل لنا صاحب قلم الرصاص رأيه في ديمقراطية حمد بن خليفة ولاديبلوماسية حمد بن جاسم ولا في الطبخة المسلوقة على عجل لجامعة الدول العربية بتعليق عضوية سوريا ولا رأيه في ما انتهت اليه ليبيا بين أسنان ساركوزي وأسنان كاميرون .. ولافي دور قطر العظمى في مصر التي جعلت منها قطر شقيقة صغرى مراهقة تحتاج رعاية وهداية ونصيحة الشقيقة قطر ..العظمى

هل كان قنديل يشعل فتيله بزيت الممانعة ولهب المقاومة كما كان أردوغان ببهلوانياته في غزة ودافوس يغير لون الاسلام ويقلب سين الاسلام فمرة يقلبها عينا ومرة ياء ومرة ظاء ومرة زايا ومرة فاء ومرة حاء؟ .. فصار الاسلام الجديد ..اسلام هنري ليفي ..ضحك فيه علينا أردوغان ..طوال سنين .

المشكلة مع شخصيات بقامة قنديل هو أن بناء الثقة معها لايجعل من المقبول رفض بعض ماتقول ..لكن الحال معنا ليس كذلك بعد اليوم فكل كلمة لاتزر وزر أخرى .. ولاتشفع كلمات لكلمات ..ولايوجد صكوك غفران
مع فائق احترامي لقلم الرصاص، فلم أحس بالأمس أن حمدي قنديل كان يعزف ايقاعا متناغما .. بل كان متلاطما مشتتا ..مفككا غارقا في المجهول ..
على كل حال حمدي قنديل ليس عمار بن ياسر حتى لا يقول طرف اننا الفئة الباغية لأن حمدي قنديل لايقف معنا.. ويبقى قنديل انسانا وبشرا يخطئ ويصيب ..وينفعل ..ويضعف ..ومارأيته يقينا يدل علن الرجل لم يكن في حالات قوته واستقلاله عن المؤثرات ..كل المؤثرات..

أخيراً..  
هل تذكرون تلك المقولة التي صنعت ذروة مجد حمدي قنديل عند مقارنته بين ملاحقة حسن نصر الله واستقبال "قاتل بحكم محكمة" هو سمير جعجع في القصور الرئاسية العربية .. وقول صاحب قلم رصاص الشهير:
 آه .. ياأمة جاحدة ..ياأمة ناكرة.. ياأمة ذليلة .. ياأمة واهنة .. ياأمة تلفانة .. ياأمة عدمانة .. ياأمة أونطة ..
ياأمة كانت أمة محمد........... وبقينا أمة مهند

ماذا نقول لحمدي قنديل بعد ماقال بالأمس؟؟ ألا يصح بعد ثنائه على الجامعة العربية وقراراتها ونصيحته لنا بطاعتها أن نرسل لحمدي قنديل نفس العبارة وأن نحتج على مقارنة بين عاقّ لأبيه بحكم محكمة الدين والقرآن هو حمد وبين الرئيس بشار الأسد الذي أخلص لنهج أبيه المقاوم ونقول لقنديل ولجامعته:
آه ياأمة جاحدة .. ياأمة ناكرة.. ياأمة ذليلة .. ياأمة واهنة .. ياأمة تلفانة .. ياأمة عدمانة .. ياأمة أونطة ..
ياأمة كانت أمة محمد .. بقينا أمة مهند ............. وبعدها صرنا ..أمة موزة وحمد
(التوقيع ...شعب بشار الأسد)

وسنضيف علّ قنديل وجامعته العربية الجديدة بقيادة قطر يسمع:
آه ياأمة عرب ..آه ياأمة جرب ..
ياأمة أوغلو ...ياأمة (أبو لهب)
ياأمة هنري  ..ياأمة خشب ..
ياأمة ناتو ... ياأمة حطب
ياأمة لعب .. ياأمة طرب
ياأمة عجاب العجب

الأزمة السورية ياشباب بحق يجب أن تدرس في الأكاديميات الاعلامية وفي كليات الفلسفة وبالذات في بحوث الأخلاق.. فالعواصف تهز الأشجار جميعا وتلويها ولاتبقى واقفة الا الأشجار ذات الجذور العميقة.. ومايقع هو الأشجار الجوفاء الخفيفة.. والريح تهب على القناديل ولايبقى منها الا ذات الشعلة المتوهجة والشهب.. بينما تخبو القناديل ذات اللهب الشحيح.. وتنطفئ..

وداعاً للسلاح ياحمدي قنديل..
ووداعاً لقلم الرصاص..