من ألف ليلة وليلة.. الشعب يريد مونيكا لوينسكي

لو كانت شهرزاد وشهريار في هذا الزمن لسهرا معا بالامس على جلسة مجلس الأمن بدلا من حكايا العفاريت والجان .. ولأشار شهريار على شهرزاد بأن تلزم الصمت كلما أرادت أن تنبس ببنت شفة .. فمجلس الأمن بالأمس كان ليلة من ليالي الحكايات الخرافية ومشهدا من مشاهد الصراع بين الجن والانس وبين الأشرار والأخيار ..وماسمعناه من أهوال تشيب لها الولدان تجعل حكايا شهرزاد تنتمي الى حكايا الواقع .. فلا خيال يعلو فوق خيال رجال مجلس الأمن ..الا خيال الثوار السوريين ..وخيال كتاب جريدة التايم البريطانية ..عندما تكتب عن زوجة الطاغية!!
بالأمس فغرت شهرزاد فاها وهي تستمع الى حجم من الأساطير والأكاذيب في كلمات السيدة هيلاري كلينتون وآلان جوبيه والسيد ويليام هيغ .. وبالطبع قاطع شهريار الاستماع ومال على أذن شهرزاد وسألها: ولكن قولي ياشهرزاد ..من هذا القرصان الذليل الذي يجلس وبجانبه رجل مطيع لايعصي له أمرا ؟؟!! .. فتقول شهرزاد: أيها الملك الرشيد ذو الرأي السديد انه حمد بن جاسم سائس اسطبل العرب ومعه صبيّه العربي .. فيصرخ فيها شهريار: اذا في الصباح أرسلي سيافي فيروزا الى مجلس الأمن ليأتيني برأسي هذين الصعلوكين..


والحكاية لا تنتهي ..
لن ينام شهريار عندما يدركه الصباح هذه الأيام ولن تسكت شهرزاد عن الكلام المباح فما قيل في مجلس الأمن وفي الربيع العربي كان أمّ حكايات ألف ليلة وليلة ..انها الليلة التي انتظرتها الحكايات ففيها كل مشاهد النزاع بين الخير والشر .. وكل مشاهد التدافع بين الصدق والزور .. وبين الفضيلة والرذيلة ..واليوم وبعد جلسة مجلس الأمن ستدافع حكيات "ألف ليلة وليلة" عن مكانتها الرفيعة في أدب الخيال والأسطورة ضد قصص وأساطير اسمها "ألف ثورة وثورة" ..و أدب "ألف ربيع وربيع" و حكايات "ألف مجلس ومجلس"...و أدب "ألف لعنة ولعنة" على هذا الزمن الثوري الهزيل..
في الحقيقة لم أحس يوما أن الاستماع للأكاذيب المكثفة مرهق للنفس وسبب من أسباب علة القلب الا بالأمس عندما استمعت الى حفلة الأكاذيب التي أرهقتني وجعلتني أتصبب عرقا كالمحموم ولم أعد قادرا على هضم الكذبة تلو الأخرى ..والاختلاق تلو الاختلاق .. والفضيحة تلو الفضيحة ..وتزاحمت الأكاذيب حتى لم أعد قادرا على التحمل فتقيأت .. وأعتقد جازما أنه يجب أن يكتب تحذير قبل بث جلسات مجلس الأمن على شكل تحذير حكومي رسمي بأن الاستماع لأعضاء مجلس الأمن (الغربيين) يسبب أمراض القلب والرئة وربما الشيزوفينيا..والاكتئاب..لذا ينصح بتجنبها !!
لم أكن أعرف أن طاقة الانسان الحر قد تحتمل التعذيب بالكي والجلد والسجن الانفرادي والسحق والسحل .. لكن روحه تتعذب أكثر عند تعريضها لهذه الموجات العريضة من الأكاذيب المؤلمة ولقضبان الأكاذيب المحماة في أوكار نار مجلس الأمن .. الأرواح الحرة الطاهرة لاطاقة لها على حضور هذه الحفلات الماجنة القاصفة المليئة بالرذيلة الأخلاقية والايدز في المشاعر الانسانية .. انها أحدث وسائل التعذيب التي وجدت ..وليس الايهام بالاغراق هو التعذيب بل الاغراق بالأكاذيب .. أنها أكثر رعبا من قلع الأظافر ومن استضافة أبو غريب ومن الاقامة في غوانتانامو التي استضافت قائد الثورجيين الليبيين الذي فتك - لسمو أخلاقه الرفيعة التي اكتسبها من أقفاص غوانتانامو - بمن أطلق سراحه وأكرمه وأعاده للحرية ..
لكنني بالمقابل أدركت معنى قوله تعالى (يانار كوني بردا وسلاما) ..فالذل والاحباط الذي أحاط بقوى الشر أذاقني معنى البرد والسلام .. وفي الحقيقة ازددت يقينا من صوابية موقفي بشأن الثورات العربية عندما استمعت لمهرجان الأكاذيب وحمدت الله ان سخر لنا جلسة علنية لمجلس الأمن لنعرف أين تخفق قلوبنا وأين تنبض قلوب الثوار العرب ..(فسبحان من سخر لنا هذا وماكنا له مقرنين) ..
الآن عرفت أننا جيل نحمل مسؤولية كبيرة أمام الدنيا كلها حتى أن ثلاثة وزراء دول كبرى بجلالة قدرهم احتشدوا لهزيمة ارادة شباب سوريين يرفضون أن تكون ساحة الأمويين لأبناء بني عثمان وبني اسرائيل .. ولولا قوة شكيمة هؤلاء الشباب لما اجتمع هؤلاء القراصنة الذين أتوا معهم بسائس الاسطبل وصبيه العربي المطيع .. فهؤلاء لايجتمعون الا عندما تكون الثورات العربية ثورات للقراصنة ومن صنع هؤلاء القراصنة ..

جلسة الأمس كانت لادانة الثورات العربية ومحاكمة للثورة السورية بلا شك لأنها كانت جلسات اعتراف وبوح ممن رتبها وصنعها ويريد بيعها وتسويقها في حفلة بكائية من بكائيات الغرب على العرب .. كانت جلسة الأمس حفلا خيريا لبيع العرب كارثة جديدة باسم ثورة جديدة .. ولم يغب عن هذه الحفلة الخيرية سوى برنار هنري ليفي لالشيء الا لأنه يعرف أن مجلس الأمن هراء وأن اللقاء مع المعارضين السوريين والليبيين في تركيا هو الكلام الفعال ..
وعندما كانت السيدة هيلاري كلينتون تفصل في حديث الطوائف السورية والأقليات وعن الحريات والقمع والقتل وأحلام المستقبل الوردي وتعطي الضمانات للخائفين من مصير مجهول .. أحسست أن أرواح مئات الملايين من الهنود الحمر تريد أن تقتحم مبنى الأمم المتحدة وتثب الى الشاشات وتقول للسوريين نستحلفكم بما تؤمنون به ألاتصدقوا هذه القاتلة وهذه الأمم القاتلة, وأحسست أن عذابات 50 مليون افريقي أسود (شحنوا كالحيوانات من أراضيهم وأحضان أوطانهم ليعملوا عبيدا لدى أجداد السيدة كلينتون) تريد أن تبصق في وجوهنا باحتقار لأننا نستمع لوعظيات هيلاري كلينتون ومشاعرها الأمومية .. وأحسست أن أرواح ملايين الفيتناميين والكمبوديين واليابانيين والعراقيين والليبيين والفلسطينيين واللبنانيين تريد أن تبكي في وجوهنا وأن تلقي في عيوننا بعضا من النابالم الملتهب في فييتنام والغبار الذري في هيروشيما ورشقات من اليورانيوم المنضب الذي لايزال يقيم مهرجانات للسرطان والأجنة المشوهة في العراق.. كل هذا لأننا نستمع لهذه الأفعى بنت الأفعى ..
في الحقيقية بعدما قالته السيدة كلينتون في مجلس الأمن تمنيت أن تكون الآنسة مونيكا لوينسكي هي وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية لأن مونيكا أكثر احتراما للحقيقة ولم تكذب قط وقالت لنا الحقيقة "بالتفصيل الممل" .. وربما لو كانت مونيكا وزيرة للخارجية لحدثتنا بنفس الصراحة والشفافية عن حقيقة الثورات العربية دون لف أو دوران وقالت لنا عن كل مافيها من رذيلة ومال ونفط وخيانة ولكانت فصّلت لنا عن أسرار كل ثائر ومكان "لقائها وخلوتها به" ولاأشك أن الثوار العرب كانوا سيرضون بذلك الانجاز "الثوري" مع مونيكا .. مونيكا ربما لم تكن ستبيعنا أوهاما .. وربما انشغلت عن مجلس الأمن في هواياتها "البريئة" بدل الانشغال بدمنا وبقتل الناس وتسويق الموت والرعب والفتاوى الثورية .. ربما كانت السيدة هيلاري تريد ان تقول لنا انها أقدر من مونيكا على ارتكاب الرذيلة والفحش وماسمعناه من فمها بحق الشعب السوري واحتقار آلامه أكثر فحشا مما فعله فم مونيكا لوينسكي .. ولاأنكر أنني ضحكت كثيرا في نهاية حديث السيدة كلينتون لأنني لأول مرة تعاطفت مع السيد بيل كلينتون وأحسست كم كان الرجل على حق عندما اختار مونيكا ليبثها أحزانه وليعطيها حكمته بدل هيلاري التي لاتعرف الا طعم آلام الأقليات السورية والشعب السوري ولاتعرف طعم آلام زوجها .. وتمنيت للحظة أن أكون في كرسي السيد بشار الجعفري لأنهض ولأقترب من السيدة كلينتون وأهمس لها في أذنها ببعض الحرج والأدب الجم في مناسبة كهذه بأن: "الشعب .. يريد .. مونيكا .. لوينسكي"!! ..

العالم للأسف اما أصيب بالجنون أو اننا لم نكتشف العالم الا بالحرائق في هذا الربيع العربي الملتهب .. هذه الحرائق رغم كارثيتها الفكرية والاجتماعية أنارت لنا شيئا من الظلام الذي كنا نعيش فيه دون أن ندري اننا نعانق الأفاعي ونملأ أطباقنا بالعقارب والعناكب .. ورأينا في الظلام وعلى أضواء ألسنة اللهب كم هذا العالم شرير ومنافق وأفاق ومحتال ومخادع .. بل كم هو شرير ويريد بنا شرا .. ورأينا كم كنا مثاليين وطيبين ومغمضي الأعين كالقطط الصغيرة ..
ماهذا الهراء ؟! جوبيه ..وهيغ ..وكلينتون .. وحمد وصبيه العربي مجتمعون لانقاذ شعب سوريا ؟؟!! من جديد اسمعوا وأصيخوا السمع وتفكروا: جوبيه ..وهيغ ..وكلينتون ..وحمد وصبيه العربي .. مجتمعون لانقاذ شعب سوريا..!! اذا لم تسمعوا فاسمعوا من جديد: جوبيه (وزير خارجية المهاجر اليهودي ساركوزي) وهيغ (عضو جمعية اصدقاء اسرائيل الذي يفتخر بانه انضم الى اللوبي المؤيد لاسرائيل عندما كان عمره لا يتجاوز خمسة عشر عاما) وكلينتون (التي زوج ابنتها يهودي متطرف) وحمد (الذي يملك شقة في نهاريا الاسرائيلية) وصبيه العربي (بتاع كامب ديفيد) ..كلهم مجتمعون لانقاذ الشعب السوري ؟؟
هل أعيد من جديد ؟؟ اسمعوا اذا: جوبيه الذي قتل أجداده البطل حسن الخراط في الغوطة الشرقية (وجوبيه يقاتلنا بمسلحين في نفس الغوطة التي قتل فيها الفرنسيون حسن الخراط) ..وهيغ (الذي باع جدّاه بلفور وسايكس فلسطين وسوريا) ..وكلينتون (التي قتل شعبها من المسلمين والعرب في عشر سنوات مثل ماقتل كل الغزاة مجتمعين في تاريخنا) .. كلهم مجتمعون لانقاذ الشعب السوري ؟؟ هل سمعتم جيدا؟ ..
من لم يسمع ماقلت ومن لم يفهم ماقلت فسنمنحه مرتبة ثورجي عربي اسلامي .. بمرتبة الشرف العثماني ..فهؤلاء لايتكلمون ولايكتبون لغتنا.. ولايتكلمون لغة ألف ليلة وليلة العربية ولايفهمون غضب شهريار ولاقلق شهرزاد .. هؤلاء يفهمون لغة مونيكا لوينسكي وشعارهم هو: الشعب .. يريد .. مونيكا ...لوينسكي ..